الحق في الحياة الخاصة

 الحق في الحياة الخاصة



عرف الإنسان منذ القدم أنه من الضروري أن يتمتع بقدر من الخصوصية ، وأن يمانع من مشاركة بعض الأسرار عن الغير ، فاعتبره حقا مقدسا حثت الأعراف والتقاليد على وجوب احترامه وكرسته التشريعات القديمة في بعض النصوص وإن اختلفت مجالات حمايته ، كما نادت به الشرائع السماوية .

تعريف الحق في الحياة الخاصة :

يختلف الفقه في عدم وجود تعريف واحد والسبب يعود الى أن هذا المفهوم يتسع ويضيق باختلاف الأفراد والمجتمعات ، نتيجة إختلاف القيم الأخلاقية والتقاليد والثقافة ، فهو بذلك مفهوم مرتبط بالقيم الاجتماعية التي تتميز بالتغيير ، فهذا المفهوم نسبي ، فما يعتبره الشخص حق لايعتبره الشخص الاخر حق ، وإن كان الإختلاف على إيجاد تعريف للحق وليس على وجوده ، لذلك كان من اللازم إيراد جملة من التعريفات :

يعرف الحق في الحياة الخاصة على أنه :" الحق في الحياة الأسرية والداخلية والروحانية للشخص عندما يعيش وراء باب مغلق " والخصوصية ماهي إلا وصف لحالة العزلة والنأي والإبتعاد عن الملاحظة

وحق الشخص بأن يحتفظ بأسرار من المتعذر على العامة معرفتها إلا بإرادته ، والتي تتعلق بصفة إرادية بحقوقه الشخصية ، فالحق في الحياة الخاصة يقع في دائرة الحقوق الشخصية وإن كان لايشملها كلها ،  كما يعرف بأنه حق الفرد في حياة منعزلة ومجهولة ، فالشخص من حقه أن يعيش بعيدا عن أنظار الناس وعن القيود الاجتماعية ، بمعنى أن يكون من حق الشخص أن لايكون إجتماعيا " ، كما عرفه مؤتمر ستكهولم لرجال الفقهاء الذي عقد سنة 1967 :" الحق أن يكون الفرد حرا ،وأن يترك الفرد في أن يعيش دون قيد مع أدنى حق ...."

من خلال مختلف التعريفات التي تم تقديمها يبدو أن الفقه إنقسم في شأن تعريف الحياة الخاصة الى إتجاهين : إتجاه سلبي وإتجاه إيجابي .

-الإتجاه السلبي :

ذهب الإتجاه السلبي الى تعريف الحياة الخاصة على أنه :" كل مالا يمت بصلة للحياة العامة للشخص " ، إلا أن تعريف الحياة الخاصة بهذا المفهوم يستوجب تحديد المقصود بالحياة العامة ، وبضبط الحياة العامة يمكن تحديد الحياة الخاصة ، عرف البعض الحياة العامة :" أنها .... التي بمقتضاها على اتصال دائم بأقرانه كالحياة المهنية أو االيومية فهي الحياة الخارجية للإنسانفالبعض إعتمد على معيار الإتصال والمشاركة ، وتعرف الحياة الخاصة من خلال حياة الشخص واتصاله بالجمهور لأنه كل مايمكن ربطه ، ويكون له إنعكاسات سياسية أو إجتماعية .

فالنشاط في الحياة العامة لاينعكس على الشخص في حد ذاته وإنما يمتد الى الوسط الذي يعيش فيه ، فالفاصل بين الحياة العامة والخاصة هو الهدف المتوخى من النشاط ، فإذا حقق مصلحة عامة فهو عام ، وإذا كان لتحقيق مصلحة خاصة فهو خاص ، وبذلك تكون الحياة العامة متاحة للإطلاع عليها من قبل الغير ، على عكس الحياة الخاصة مثال ذلك : إتجاه القانون الأمريكي الذي يعترف بحق الجمهور بالاطلاع على كل المعلومات الخاصة المتعلقة بشخص معين ، مادام ذلك يدخل ضمن المصلحة العامة ، فإذا كان الشخص مشهور ، فإن نطاق حياته العامة يتسع على حساب حياته الخاصة ، ويستوي أن تكون الشهرة لكون الشخص من المناصب السياسية أو لسيي اخر كالفنانين والممثلين أو بعض لاعبي كرة القدم ، إذ يحق للجمهور الإطلاع على بعض حياته مع العلم أنها من صميم حياتهم الخاصة ، مع العلم أن هذا المعيار نسبي في حد ذاته ويختلف من مجتمع الى اخر ضمن المجتمع الواحد .

فحسب هذا الإتجاه يتحدد نطاق الحياة العامة من خلال :

1-الأنشطة ذات الصلة .

2-الموقع الذي يشغله الشخص في مجتمعه أو طبيعة النشاط الذي يمارسه .

وبهذا يمكن تعريف الحياة الخاصة أنها :" مالا يعتبرنشاطا عاما وليس له صلة بالمصلحة العامة "

كما يمكن تعريف الحياة العامة من خلال مضمونها ومكان ممارستها بأنها :" إشتراك المرء في حياة الجماعة التي يعيش في مظاهرها الأساسية "

بمعنى أن الحياة الخاصة في الحياة الممارسة بمعزل عن الجماعة ، أي ممارسة في مكان خاص وبهذا تكون الحياة العامة هي الحياة الممارسة في مكان عام ، يمكن أن يرتاده جمهور ويكون معدوم لهذا الغرض كالمدرسة والمسجد ..الخ ، فكل مايحدث في هذا المكان يعتبر عاما ، ولايمكن اعتباره ضمن الحياة الخاصة .

أما المكان الخاص فهو المكان المغلق الذي لايستطيع أن تنفذ إليه نظرات الناس من الخارج ولايمكن الدخول اليه إلا بإذن من صاحبه ليطرح التساؤل هنا عن إمكانية ممارسة أنشطة خاصة في أماكن عامة مثال ذلك : الحديث بين شخصين في مكان عام ، هل يعتبر نشاط عام ؟

لهذا يمكن القول أن معيار ممارسة النشاط في حد ذاته لا يعد كافيا لضبط فكرة الحياة العامة التي تبقى فكرة سببية ولا تصلح لتحديد نطاق الحياة الخاصة .

الإتجاه الإيجابي :

إن محاولة إيجاد تعريف إيجابي لهذا الحق جعل الفقه ينقسم الى اتجاهين :

اتجاه يتسع في تعريف هذا الحق ، وإتجاه يضيق مجال في تعريف هذا الحق

الإتجاه الواسع والموسع للحق في الحياة الخاصة :

يعرف هذا الإتجاه الحياة الخاصة كمرادف للحرية ، وهي حق الفرد في حياة هادئة دون إزعاج أو ضغط أو في حياة الفرد المنعزلة التتي يختلي فيها بنفسه بعيدا عن أعين الناس.

فهذا المفهوم يحقق للشخص إمكانية الدفاع عن كل مجالات حياته الخاصة ضد أي تدخل ، فيكون بذلك مرادفا لمفهوم الحرية ضمن نطاق محدد ، إذ نجد نظام القضاء يعتبرون الحياة الخاصة " هي عيش المرء كما يحلو له متمتعا لممارسة أنشطته الخاصة حتى ولو كان مرئيا من جميع الناس " فالمرء حر في إتخاذ الهيئة أو الشخصية التي تميزه عن غيره

الإتجاه الضيق للحياة الخاصة :

هذا الإتجاه حاول حصر الحياة الخاصة في جملة من العناصر التي تتدخل في نطاقها والواجبة لوجودها وهي : السرية والسكينة والألفة . فأغلب التعريفات الضيقة تعتبر هذه العناصر وتجعلها أساسا لقيام الحق في الحياة الخاصة

-السرية : وهي المخالفة للعلنية ، ويقتضي هذا الإتجاه إضفاء السرية على بعض مظاهر الحياة حتى تبقى متمتعة بالخصوصية ، فالسرية وجه لازم للحق في الحياة الخاصة .

-السكينة : تعد فكرة السرية وسيلة ناجعة لضمان حماية الحياة الخاصة ضد تدخل الشخص ، فهي تضمن حق المرء في السكينة ، وهي كل شخص يسعى الى الحفاظ على السكينة على فكرة الهدوء ووجوب الحفاظ على السكون والهدوء ، ولها وجهين : أحدهما إيجابي والأخر سلبي

-الإيجابي : يتحقق باخترام سرية الحياة الخاصة

-السلبي : يكمن في الامتناع عن الاطلاع في هذه الحياة أو الخوض فيها

-الألفـــــة: هي نوع من العزلة يتمكن معها كل شخص من أن يخلوا الى ذاته بكل هدوء دون خشية أن يكون عرضة تنشر أي مبرر أو تطفل غير مرغوب فيه ، لدرجة أن بعض الفقهاء جعلوا الألفة مرادفا للحياة الخاصة ، وإن كانت الحياة الخاصة أوسع مجالا من الألفة أو العزلة ،

وهكذا يتضح أن الفكرة الموضوعية للحياة الخاصة تأسست على فكرة الحق في الألفة ، العزلة ، في حين أن فكرة السرية أو السكينة هما الغاية المرجوة لحماية الحياة الخاصة .

 

 

تعليقات